منع الزوجة عن أهلها هل ورائه عقد نفسية؟
لهنً - أسماء أبوشال
مريم عروسة جديدة ، بالأسبوع الأول من الزواج حدث خلاف بسيط بينها وبين زوجها أحمد ، واتقاءً لشر أي كلمة أو تصرف غير محسوبة ، أكد لها أن أفضل طريقة لحل المشكلة هو أن يأخذها لبيت والدها ليحكم بينهما ، وبالرغم من أن المبادرة كانت لطيفة منه إلا أنها تكررت في شهر العسل أكثر من مرة ، ومع مرور الأيام اعتادت مريم على ذلك ، فأصبحت مع أي كلمة تحزم حقائبها على بيت أهلها .. إلى أن مرت سنة أضطر أحمد بعدها إلى منع مريم من زيارة أهلها ، فمن الظالم ومن المفتري عليه؟
مريم لم تعاني وحدها من مشكلة المنع من الأهل ، ولكنها معاناة زوجات أخريات باختلاف الظروف واأسباب التي تدفع بعض الأزواج لاتخاذ هذا الضغط كنوع من العقاب ، وللوهلة الأولي ندين الزوج ونحمله المسئولية على هذا السلوك اللاإنساني ، ولكن قد تتحمل فى بعض الأحيان الزوجة أو الأهل مسئولية هذا القرار الذي لا يأتي أبداً من فراغ ، صحيح أن الزواج لا يعنى انفصال المرأة التام عن عائلتها ، ولكن سنة الحياة وتحمل المسئولية يغير بعض الأمور الحياتية.
وعن مشكلة "مريم" وزوجها "أحمد" يقول د. مدحت عبد الهادي مستشار العلاقات الزوجية : خطأ كبير يقع فيه الزوج عندما يحكم أهل الزوجة في كل صغيرة وكبيرة ، لأن بهذا التصرف وخاصة بالشهور الأولي من الزواج لا تشعر المرأة بأن الأمان في بيتها ، ويترسخ في عقلها الباطن أن الأمان "بيت الأهل" ، وإذا تم حل المشكلات بينهما من البداية فلن تتطور الأمور إلى هذا الحد ، وستشعر الزوجة بالاطمئنان في بيت زوجها بدون تصاعد أي خلاف يؤدي إلى الكراهية أو منعها من زيارة الأهل وغيرها من المشكلات.
ويرجع د. محمد عبد الهادي سبب منع الزوجة من زيارة الأهل ، إلى عدم موضوعية الأب والأم عند التدخل لحل أي خلاف أو مشكلة ، ولا ينظر كلاهما للأمر بشكل وسطي ، وخاصة الأم التي تدفعها العاطفة لإعلان الحرب فوراً على الزوج ظالماً كان أو مظلوماً ، وهنا يتحمل الأهل المسئولية لأن ذلك الأمر يجرح كرامة الرجل الشرقي ولا يرضي به على الإطلاق ، مضيفا : "أفضل طريقة لتعامل الأهل فى هذه الحالة هي عدم تدخل الأم نهائياً أو توجيه اللوم والاتهامات للزوج أمام جميع أفراد العائلة ، ولكن يكفي أن يتكلم الأب مع الزوج بشكل منفرد ويعاتبه بوسطية ناصحاً له في صورة أبوية ، وفى كل الأحوال لا ننصح بتدخل الأهل فى الخلافات الزوجية "
لا شك أن منع الزوجة من أهلها تصرف يحسب على الزوج في كل الأحوال ، ويفسر الدكتور مدحت عبد الهادي سبب هذا المنع بأنه قد يكون ناتجاً عن عوامل نفسية مركبة لدي الرجل ، هذا الأمر يدفعنا إلى دراسة دوافع الشخص وطريقة تربيته منذ الصغر ، يجب أن نري الشخص نفسه وطريقة تربيته منذ الصغر ، هذا النوع لا يكون متصالحاً مع نفسه ، وأبسط قواعد التصالح مع النفس هي حب كل ما يحيط بالشريك الآخر من ( الأهل – الأصدقاء – الجيران..الخ ) ، وبالرغم من أن الحب ليس فرضاً على الرجل لكن احترام الأهل واجب عليه إذا كان الزوج شخصيته سوية.
قد يلعب الغضب دوراً على قرارات الزوج ، وذلك عندما تطلب الزوجة زيارة بيت أخيها ومجاملته في إحدى المناسبات ، هذا الموقف نراه كثيراً فيعتذر لها بحجة أنه مشغول ، تعبان أو لديه مواعيد ، فالزوج وبصورة لا إرادية يتصرف نتيجة تراكمات قديمة ترجع لفترة الخطوبة ، يسرد من خلالها أحداث ومواقف سخيفة حدثت من أخو الزوجة كانت تؤرق العلاقة بينهما فى هذه الفترة نتيجة غيرة الأخ من العريس الذي يرغب في خطف أخته من أحضان أسرتها .. وهكذا ، ولا شلك أن هناك أهل منفرين جدا.
وهناك حالات يكون الأهل منفرين جدا ، وكل ذلك يندرج تحت شئ مهم جداً وهو الحالة المزاجية للزوجة ، بعضهن يقول : زوجى يمنعني من زمان من الزيارة ولكنها تقبلت الوضوع لأسباب أخرى وبالتالي تأقلمت فى هذا الوضع ، وقد تلعب الخلافات وإشاعتها من الزوجة وتدخل الاهل لصالحها جزء كبير فى نفور الزوج من زيارة الاهل ، وينصح د. عبد الهادي كلاً من الأهل والأزواج بالحكمة والوسطية عند اتخاذ القرارات.
وعن منع الزوجة من زيارة الأهل من الناحية الدينية يشير الداعية الإسلامي د. محمد رشيد العويد إلى أن هذا المنع ظلم فاحش ، وإذا كان الظلم محرماً في جميع الأحوال ، فإنه في حق الأقربين أشد حرمة وأعظم إثماً ، وفى الحديث القدسي الصحيح :" ياعبادي ، إني حرمت الظلم على نفسي ، وجعلته بينكم محرماً ، فلا تظالموا" ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " اتقوا الظلم ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة" رواه مسلم.
وليخش الزوج المتمادي فى خصومته نقمة الله العاجلة ، فإن دعوة المظلوم مستجابة وليس بينها وبين الله حجاب ، وإذا وقع الظلم عليه من والد زوجته ، فإنه قد إنقلب ظلماً بعد أن كان مظلوماً ، ومن صفات المنافق أنه إذا خاصم فجر كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن أشد ما ورد الوعيد لقاطع الرحم ما رواه الإمام مسلم وغيره قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل خلق الخلق ، حتى إذا فزع منهم ، قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائد بك من القطيعة ، .. فقال سبحانه : نعم ، أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قال الرحم : بلي . قال سبحانه فذاك لك" ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم
فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (23) أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ القُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)( سورة محمد)